تقارير و متابعات, جديد المجلة

خطوات متسارعة لأجل توطين الصناعات الغذائية بالمملكة وتعزيز أمنها الغذائي

تولي السعودية منذ سنوات عديدة اهتماما كبيرا لقطاع الصناعات الغذائية، لما له من أهمية في تعزيز الأمن الغذائي للمملكة.

ولتحقيق هذا الهدف شرعت المملكة في العديد من المبادرات التي تشجع على الاستثمار في الصناعات الغذائية من أجل سد الفجوة وتقليل الاستيراد، بالإضافة إلى فتح الباب أمام المنشآت الصغيرة والمتوسطة لإطلاق مشروعاتها لدعم هذا القطاع.

وتركزت إستراتيجية المملكة حول الأمن الغذائي على الاستثمار في العديد من المجالات ومنها المواد الغذائية، وأصبحت الألبان والعصائر والفواكه والزيوت النباتية والحبوب والسكر وأعلاف الحيوانات والطيور والكاكاو من أهم صادرات السعودية خلال السنوات الأخيرة.

ونجحت هذه الإستراتيجية في تحقيق قفزة في قطاع صناعة الأغذية، ليرتفع عدد المصانع الغذائية والمشروبات في المدن الصناعية بنسبة 200%، ليصل إلى أكثر من 915 مصنعا.

مباحثات مستمرة

وبهذا الصدد بحث وزير الصناعة والثروة المعدنية السعودي، بندر الخريف، مع مسؤولي الشركات البرازيلية البارزة في قطاع صناعة الغذاء العالمي، فرص توطين صناعة الأغذية في المملكة، ونقل المعرفة والابتكار، وناقشوا أحدث ما توصّلت إليه تقنيات التصنيع الحديثة في هذا المجال، وذلك في إطار جهود البلاد الهادفة إلى تحقيق الأمن الغذائي.

وزار الخريف مصنع شركة «منيرفا» البرازيلية للأغذية، ويعدّ من أكبر مصانع اللحوم الحمراء على مستوى العالم، خصوصاً في مجال إنتاج لحوم الأبقار ومشتقاتها، حيث تصل منتجاته إلى أكثر من 100 دولة حول العالم. كما اطّلع على التقنيات المتقدمة في تصنيع الأغذية التي تستخدم في عمليات إنتاجه، وناقش مع مسؤوليه الفرص الاستثمارية الواعدة التي توفرها المملكة في هذا القطاع.

وتعدّ شركة «منيرفا» لاعباً مهماً في السوق السعودية للأغذية، حيث تشكّل واردات المملكة الغذائية 25 في المائة من اللحوم الحمراء تحديداً، كما تعدّ «الشركة السعودية للاستثمار الزراعي والإنتاج الحيواني (سالك)» من أكبر المستثمرين في «منيرفا»، بحصة تصل إلى 33.8 في المائة من إجمالي قيمة الشركة، بعد استحواذها عام 2016 على حصة 19.5في المائة مقابل 210 ملايين دولار، وفي عامي 2018 و2020 رفعت حجم حصتها باستثمار آخر بلغت قيمته 204 ملايين دولار.

من جانب آخر، التقى وزير الصناعة والثروة المعدنية الرئيس التنفيذي لـ«جي بي إس»؛ وهي شركة برازيلية متعددة الجنسية تعمل في قطاع الأغذية العالمي وتعدّ من كبرى الشركات في إنتاج اللحوم والدواجن بالعالم، كما تعدّ من أبرز شركات الأغذية المستخدمة تقنية استزراع اللحوم وإنتاجها في المختبرات، حيث تعمل حالياً على إقامة مصنع غذائي في محافظة جدة (غرب السعودية) بعلامة تجارية تحت اسم «سيارا»، وباستثمار يصل إلى 500 مليون ريال (133.3 مليون دولار)، ومن المخطّط أن يفتتح مصنعها بنهاية العام الحالي؛ ليشارك في سد احتياج السوق السعودية من الأغذية.

وناقش الخريف مع مسؤولي المصنعين المزايا النسبية لبيئة الاستثمار في القطاع الصناعي السعودي، إضافة إلى الخدمات والممكنات التي تقدمها المملكة لتحفيز المستثمرين الصناعيين في جميع القطاعات التي تستهدفها «الاستراتيجية الوطنية للصناعة».

قفزة في عدد المصانع

ووفقا لإحصاءات وزارة الصناعة والثروة المعدنية السعودية، فقد بلغ عدد مصانع الغذاء ، 1023 مصنعا بنسبة 14.4% من إجمالي عدد المصانع في المملكة وبنسبة 6.7% من إجمالي حجم الاستثمارات في القطاع الصناعي، في حين شكلت عدد مصانع الغذاء في عام 2021 نحو 14% فقط من إجمالي مصانع المملكة وبحجم استثمارات بلغ أكثر من 88 مليار ريال (23 مليار دولار).

وتتوزع صناعة الغذاء في المملكة على 12 نشاطا أساسيا، من أهمها صناعة الألبان ومنتجاتها، وتليها صناعة العصائر والمشروبات، ومصانع تعبئة الفواكه والخضراوات وتغليفها، وحفظ السمك، وصناعة الزيوت النباتية والحيوانية والدهون.

وتسعى السعودية إلى توطين 85% من الصناعات الغذائية بحلول 2030، بعدما بلغت تكلفة واردات الصناعات الغذائية بالمملكة 70 مليار ريال سعودي (18.6 مليار دولار) سنويا.

وتشير وزارة البيئة والمياه والزراعة السعودية إلى أن التوطين يأتي لتوفير الفرص أمام رواد الأعمال والمستثمرين وأصحاب المنشآت الصغيرة والمتوسطة للاستثمار في هذا المجال.

وسعيا لتنفيذ إستراتيجيتها الرامية إلى توطين الصناعات الغذائية عملت المملكة على عدة مسارات كان أبرزها دعم المنشآت الصغيرة والمتوسطة العاملة في قطاع الغذاء وتقديم التسهيلات لهم، وعقد الاتفاقيات مع الشركات والمؤسسات الدولية العاملة في القطاعات المتعلقة بالغذاء، مما ساهم في وضع ركيزة جديدة في مسار طويل لتحصين الأمن الغذائي في المملكة.

وتعمل المنشآت الصغيرة والمتوسطة بالمملكة في أنشطة اقتصادية متعددة، ويحتل قطاع التغذية والمشروبات المركز الثالث بنسبة 10.2%، علما أن عدد المنشآت الصغيرة والمتوسطة في المملكة بلغ عددها 892 ألفا و63 منشأة، بزيادة بلغت 25.6% .

الألبان واللحوم في الصدارة

وفي هذا الصدد، أبرمت هيئة المدن الصناعية ومناطق التقنية السعودية (مدن)، اتفاقية مع شركة “سيارا”، وهي الذراع الاستثمارية لمجموعة “جي بي إس” البرازيلية، أحد أكبر الكيانات العالمية لتصنيع منتجات اللحوم ومشتقاتها لبناء منشأة في البلاد.

وبموجب الاتفاقية، تمنح “مدن” عقد تخصيص أرض صناعية على مساحة تقدر بأكثر من 25 ألف متر مربع في المدينة الصناعية الثانية بمدينة جدة، حيث من المتوقع أن يسهم المشروع في تعزيز منظومة تصدير المنتجات محلية الصنع، وتلبية احتياجات السوق السعودية من منتجات اللحوم المختلفة بإجمالي 50 ألف طن سنويا.

وتؤكد الحكومة أن تنمية قطاع اللحوم الحمراء ستعزز الأمن الغذائي لأكبر اقتصادات الوطن العربي، كما أنه سيعمل على توفير منتجات محلية بجودة عالية وأسعار مناسبة، بالإضافة إلى المساعدة في جذب وتوطين الصناعات النوعية ذات القيمة المضافة للاقتصاد المحلي.

أهمية قصوى لصناعة الغذاء

يقول المحلل والخبير الاقتصادي السعودي خالد الأنصاري إن الاستثمار في الصناعات الغذائية وتوطينها له أبعاد كثيرة أهمها المساهمة في تعزيز الأمن الغذائي، وبخاصة في مثل هذه الظروف التي يمر بها العالم.

بالإضافة إلى البعد الاقتصادي والمتمثل في تقليل الاعتماد على الاستيراد الخارجي، بل وإمكانية تصدير الفائض من المنتجات الغذائية الفائضة إلى الخارج فضلا عن توفير آلاف فرص العمل والوظائف.
ويضيف الأنصاري، أن “رؤية المملكة 2030” أعطت أولوية قصوى لصناعة الغذاء، وهو ما أسهم في حدوث حالة من الاطمئنان من جانب المستثمرين أو المستهلكين ساهم في تضاعف حجم هذا القطاع، وبخاصة في قطاعات مثل الألبان واللحوم، حيث تحقق المملكة اكتفاء ذاتيا وتقوم بالتصدير لعدة دول.

وتوقع أن تشهد الفترة القادمة نموا كبيرا لأنشطة وحجم المنشآت الصغيرة والمتوسطة في المملكة، وبخاصة العاملة في مجال صناعة الغذاء بمختلف أنواعها، بعدما قامت مثل هذه المنشآت بدور محوري خلال فترة جائحة كورونا والاضطراب العالمي لسلاسل التوريد.

وأكد الخبير الاقتصادي أن المملكة تولي أهمية كبيرة للقطاع الزراعي وتصنيع المنتجات الزراعية لدورها في تحقيق الأمن الغذائي، بعدما نجحت المملكة في الاستغناء عن استيراد بعض الأصناف الغذائية التي كانت تستوردها من الخارج بإنتاجها محليا.

أرقام وإحصائيات واعدة

حققت المملكة إنجازات مهمة في سبيل تحقيق الأمن الغذائي، الذي يعدّ من أبرز مستهدفات «رؤية 2030»، حيث تسعى بخطط طموحة لتلبية احتياجاتها من المنتجات الغذائية الأساسية في جميع الظروف، فعززت الاكتفاء الذاتي في كثير من القطاعات الغذائية، وتضمن الاكتفاء بمعدل 100 في المائة من منتجات الألبان، و52 في المائة من الأسماك، و68 في المائة من الدواجن، في ظل ما تمتلكه من قاعدة صناعية قوية تضم أكثر من 1500 مصنع للأغذية بحجم استثمارات يتجاوز 88 مليار ريال (23.4 مليار دولار).

وبلغت صادرات المملكة من الأغذية نحو 20 مليار ريال (5.3 مليار دولار) عام 2023، وقدّم «صندوق التنمية الصناعية السعودي» 23 قرضاً للمصانع الغذائية بقيمة 700 مليون ريال (186.6 مليون دولار)، فيما قدّم «بنك التصدير والاستيراد السعودي» أكثر من 3 مليارات لدعم صادرات هذا القطاع خلال العام نفسه.

ويعدّ قطاع الدواجن من أهم قطاعات صناعة الغذاء في المملكة، حيث يسهم بصورة فاعلة في تعزيز الأمن الغذائي وتنمية المحتوى المحلي، ووصل معدل الاكتفاء الذاتي فيه إلى 65 في المائة، فيما تستهدف «الاستراتيجية الوطنية للأمن الغذائي» وصول معدل الاكتفاء الذاتي من الدواجن إلى 80 في المائة بحلول عام 2025، في حين تستهدف «الاستراتيجية الوطنية للصناعة» جذب استثمارات نوعية لقطاع إنتاج وتصنيع الدواجن بقيمة 17 مليار ريال (4.5 مليار دولار) حتى عام 2035، إضافةً إلى جذب استثمارات في قطاع اللحوم بقيمة 20 مليار ريال (5.3 مليار دولار) حتى 2035.